الخميس، 16 أغسطس 2012

المآلات الاستراتيجية للنزاعات الانقسامية - د.جاسم سلطان ( تلخيص )


المآلات الاستراتيجية للنزاعات الانقسامية - د.جاسم سلطان ( تلخيص )

ملاحظات قبل بدء التلخيص :

- وقعت على هذه المحاضرة القيمة للدكتور جاسم سلطان بالصدفة و عن طريق شريط الارتباطات في اليوتيوب related videos فجزاه الله خيرا ! .

- لا أنكر أن إسقاط حديث الدكتور على الحالة السورية و الحالة اللبنانية بالذات هو ما رافقني طوال سماع المحاضرة و هو ما دفعني لتلخيصها للفهم أولا و لكي نستفيد من الحلول المقترحة ثانيا .

- رغم أن الحديث ينصب على النزعات الانقسامية إلا أن غالب الحديث يمكن إيجاده على أي أزمة و على أي صراع و هو ما كان الدكتور يذكره أحيانا بمصطلح الأزمة و ما كان واضحا من خلال الأمثلة المطروحة .. الانقسام هو النتيجة النهائية و قبله يمكن إيجاد مشتركات كثيرة بين أي أزمة.

- قد تتعجبون من دقة المسار الذي سرنا به و نسير بحسب هذه المحاضرة (القرارات الخاطئة ، استدعاء الآخر ،لغة الاستعداء ...) و لكن كانت الحالة اللبنانية مثالا واضحا أيضا و لكن متأزم بشدة للأسف .
- لا أقول هنا أن مصيرنا الانقسام فسياق أزمتنا مختلف و هو في سياق الثورة طلبا للحرية و الكرامة و هذا بالضبط لماذا يجب أن تظل كذلك .

- رابط المحاضرة في آخر التدوينة و هي في خمسين دقيقة و أرجو أن تكون قراءتها لا تتجاوز الخمس عشرة دقيقة و بذات الفائدة .

- لا تستعجل البداية فالمحاضرة تدريجية و تبني الأفكار بناء على أفكار يتم توضيحها سابقا لذلك قراءتها حتى آخرها مهم .

بسم الله :


- يقرر القرآن حقيقة بقوله :( ولا يزالون مختلفين ) .. فالاختلاف سنة من سنن الحياة و هم يختلفون ليتكاملوا .

- و يقرر ( و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ) .. يكثر الحديث في كتب التفسير عن المقصود بالآية بمعنى التعريف الشخصي و بشرح الفرق بين الشعوب و القبائل ، في حين أنه من خلال المعرفة الإنسانية الحديثة فالآية تفتح آفاقا أوسع لتبين لنا إمكانية جعل هذا التكامل ممكنا بين المختلفين في ضوء الحقيقة السابقة .. لذلك يفترض بهذا التنوع (ديني..عرقي..مصلحي) أن يكون إغناء للمحصلة المعرفية للبشرية و لا يكون وسيلة لإدارة الصراع بمعنى البحث عن المختلف.

- يقرر القرآن أيضا أن بين هذه الأمم أمم بها تجانس ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) .

- العالم الذي نعيشه اليوم هو في النهاية نتاج للتطور الغربي شئنا أم أبينا .

-العالم الغربي سابقا قد عرف الحكم الرعوي : أن يكون هناك راعي و رعية يخضعون له .. مهما كان حجم التنوع بينهم ، و في نهاية القرن الثامن عشر برزت فكرة استحقاق كل شعب الحصول على دولة و أرض .. و الشعب هنا : مجموعة من الناس يمتلكون مشاعر و أحلام و لغة و رغبة في العيش المشترك ، فإذا وجد هذا الشعب استحق الحصول على أرض و وطن و على هذا الأساس بني المشروع الصهيوني .. هذا المفهوم لم يكن موجودا في السابق كأساس لقيام الدول حيث كان هناك المفهوم الرعوي (الإخضاعي) .. و المفهوم الذي شرحناه سابقا "اختياري" و تأسست الدولة الحديثة بناء عليه ، هذا الأساس تنظيري في الواقع .. الولايات المتحدة مثال على قيام دولة حديثة وفق هذا المبدأ .. أعراق و لغات و اختلافات كثيرة جمع بينهم الرغبة في العيش المشترك و بالتالي صارت هذه الأرض ملكهم و لها إطار سيادي .. و لكن لم يحدث استفتاء شعبي مثلا حول هذه الرغبة في ذلك .
-وجود الاستعمار فرض أيضا هذا التصور حيث اعتبر أن كل دولة سيخرج منها سيحولها إلى دول وفق هذا الاعتبار ( وجود رغبة في العيش المشترك ) .. و هذا أيضا لم يكن واقعا حيث أن تقسيم الدول المستعمرة كان "افتراضيا" حول وجود رغبة لهذه الشعوب في العيش المشترك .

-ولدت لدينا الدولة القطرية المعاصرة في ظل قضيتين : تحول الطريقة في إنشاء الدول من الطريقة الرعوية إلى الطريقة الاختيارية وفق مفهوم العيش المشترك .. و هذا تغير ضخم لم يدخل بوضوح إلى الفضاء الإسلامي بشكل واضح حتى الآن حيث أننا ما زلنا نعيش وفق مفهوم الرعية بشكل من الأشكال و ليس طريقة التراضي ،، و هذا التغير أدى إلى تغير آخر حول وجود مفهوم معين من التعاقد .. بالاضافة إلى وجود تحولات جديدة فيما يسمى السياسة الدولية و التي صنعها المنتصر و وضع قواعدها وفق ما يسمى عصبة الأمم أو الأمم المتحدة و صار يضيف للتعريف السابق أن يكون لدى هذا الشعب مشاعر و أحلام و لغة و رغبة في العيش المشترك في ظل احترام قوانين و قواعد السياسة الدولية تراعي سيادة هذه الدولة .. الخليط السابق أوجد مفهوم الدولة المعاصرة و أوجد للدولة المعاصرة نمطا معينا في التفكير .. لا أعني بالدولة المعاصرة مجموع ما تحتويه من أفراد و إنما نمط معين في طريقة التفكير في إدارة نظام الحكم : فالحكومة ما دامت مسؤولة عن إدارة هذا الشعب الذي يرغب في العيش المشترك فهي بالتالي مسؤولة عن ثلاثة أمور :١-المحافظة على الوجود ،٢-الاستقرار ،٣- التنمية .

١-المحافظة على الوجود : أن تحافظ الدولة على إرادة هذا الشعب بالاستقلال و أن لا تزول هذه الدولة مهما بلغ عدد سكانها .

٢- المحافظة على الاستقرار : أن تسعى باستمرار للاستقرار كمقدمة للتنمية .. و بما أن العقد مشترك و قائم على (التراضي) فالدولة مسؤولة من ضمن الاستقرار على التراضي العام بين أفراد الشعب .

٣-التنمية .
و لكن في ظل حقيقة قررناها منذ بداية الحديث "و لا يزالون مختلفين" بأن الاختلاف سنة في الخليقة .

الخلاف لا يؤدي بالضرورة إلى الانقسام و لكن هناك خطوط انقسام "محتملة" .. تكوينية .. قد يولد الانسان بها و لا يختارها و هذه الخطوط تمثل تحدي لما يسمى بالرغبة في العيش المشترك و التي تأسست الدولة الحديثة بناء عليها : هناك مثلا :
- العرق : عرب .. أكراد .. أمازيغ .
-الدين : مسلم .. مسيحي.. يهودي .. بوذي ... .
- المذهب : سنة .. شيعة .. إباضية .. كاثوليك .. أرثودكس ... .( لبنان مثالا)
-القطرية: مصر .. قطر .. السودان ( تمثل خطوط انقسام أمام الوحدة المفترضة مثلا للوطن العربي)
- الحزبية : ( و هذه خطوط انقسام أضيق ) .. الحزب "نظريا": تكوينات لمساعدة المجتمع على التعبير عن الاختلاف في ظل الوحدة .. ( لتقديم وجهات نظرهم حول الكيفية الأنسب لتحقيق الوجود و الاستقرار و التنمية ) .. مثال : السودان .. فلسطين ( فتح -حماس)


جميع الخطوط الانقسامية السابقة هي خطوط انقسام محتملة و لا تؤدي بالضرورة إليه و لكنها تحدث خطوطا في المجتمع تمر عليه شروط السياسة و الاقتصاد قد تودي بها لتصبح خطوط انقسام فعلية .. إذا نستطيع أن نقول أن هذه الخطوط موجودة في كل المجتمعات فقد يحولها مجتمع ما إلى خطوط حقيقية و قد يحولها إلى خطوط التقاء و تعاون .


* ما الذي يحدث عندما تمر يد القرارات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية على خطوط الانقسام ؟
إذا مرت قرارات سياسية و اقتصادية و اجتماعية خاطئة في لحظة تاريخية معينة على خطوط الانقسام فإنها تحدث مطالب لأطراف الانقسام و يصبح لدينا "حركة مطلبية" قد تكون خافتة أو شديدة ، ناطقة أو صارخة !
( خطوط انقسام محتملة + قرارات خاطئة = حركة انقسام مطلبية )
حينما يحدث ذلك يتولد عادة نوع من المخاوف من حدوث الانقسام الحقيقي من الأكثرية .. و ردة الفعل الطبيعية هنا مزيد من التضييق .. قد تستخدم هنا القوة لفرض القرارات السياسية و الاقتصادية الخاطئة كحل سهل الاستخدام للوهلة الأولى فيبدو كأنه حل ! .. و لكي تستخدم القوة فإنها تحتاج لمبرر لذلك ( م:تحتاج لشرعية : راجع تدوينة الشرعية السياسية).. فتنشأ لغة استعداء قد تتهم هذه الجهات بمختلف أنواع التهم حتى و لو كانت بعيدة جدا عن مطالبها..بالضرورة ستكون لغة الاستعداء فيها انتقاص كبير من الطرف الآخر (نوع اللغة،التوصيف،المعاني...) فتنتقل المسألة من مكون ما هو محتمل إلى مكون ما هو قائم .. و قد تتطور إلى اقتتال بين الطرفين و دماء تسفك و هو ما يؤدي إلى استدعاء الآخر .. يقوم الطرف الأضعف باستدعاء الآخر لنجدته بصورة من الصور .

قد يحدث ما سبق بشكل حاد لفترة زمنية معينة .. و الأخطر منه أن تتحول هذه الحالة إلى حالة مزمنة .. فما الذي يحدث حينما تتحول إلى هذه الحالة المزمنة ؟ :
نقول هنا أن الانقسام لا يصبح فقط حالة غاضبة لمطالب معينة بل يكتسب جسما معرفيا ( عقائد .. مسلمات .. مفاهيم .. ثم يكتسب لغة تعبيرية : شعر .. أدب .. نصوص .. تراث قصصي .. رمزية بالمناسبات و غيرها ) كوسائل لتخزين و أزمنة المشكلة .. هذا الجسم المعرفي يخلق مشاعر و أحاسيس ( الخوف .. الغضب .. الكراهية ) فتصبح هذه المشاعر متلازمة مع نوع اللغة التعبيرية التي تستخدم .. و هو ما يؤدي إلى حالة أخرى هي "القابلية للتوريث " فلا يعود النزاع مرتبطا بزمن معين بل له القابلية للتكرار .
هذا الجسم المعرفي لا يصبح حكرا على طرف من الأطراف بل تصبح جميعها تمارسه و تمتلكه بكل ما فيه من مشاعر و لغة و شعر و رموز و قابلية التوريث ... و يصبح أشبه ما يكون مكتوبا بالحبر السري في اللاوعي ..حينما تستخدم كلمة معينة تستدعى مشاعر معينة و تستنفر طاقات سالبة معينة .. يصبح المشهد هنا عبارة عن قنابل موقوتة لا تهدأ حينا حتى يأتي قرار ما لتنفجر أحدها مرة أخرى.
قلنا منذ البداية أن الاختلاف طبيعة بشرية و أن محاولة إلغاء الخلاف و خطوطه مسألة مستحيلة .. يظن البعض أنه يمكن إلغاؤها بالدين مثلا و هذا غير صحيح .. قد يلطف منها و يهدئها و لكن بشروط موضوعية متعلقة بعدالة السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ، مثلا لا يمكن القول أن مجرد كون العربي و الكردي و الأمازيغي مسلمين أمر كافي لعدم حدوث خلاف إذا لم تكن السياسات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية عادلة للأطراف جميعها ، فقط حينها يصبح الدين عاملا مهدئا و ملطفا و مجمعا .


* ما هي المآلات المحتملة لهذا النوع من النزاعات ؟
١- أن تجد هذه النزاعات حلا عادلا : و هو الأصعب و لو حتى على مدى زمني معين .. و بالتالي تعود خطوط الانقسام إلى حالتها المحتملة و يتم ردم الفجوة التي حدثت .
٢- توقف الاستقرار و التنمية : و ذلك إذا حصل الفشل في إيجاد حل عادل .. و هذا التوقف يفاقم بالتالي من الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و قد تتفاقم إلى ..
٣- تهديد الوجود : و يؤدي إلى تفتت الدولة و انقسامها .


* كيف يمكننا الوصول إلى حل عادل ؟
و ليس بالضرورة الوصول إلى حالة الرضا فقد يستمر الشعور بالظلم أو الغبن قلبيا و لكن الوصول على أقل تقدير إلى حالة القبول ، و لكي يتحقق هذا سنحتاج العمل على محورين :
١- الخط البنيوي طويل المدى .
٢- الخط قصير المدى ( إطفاء الحرائق ) .


- الخط البنيوي طويل المدى يقوم على ثلاثة أمور :
١- آليات حفر معرفي : عبر مراجعات فكرية عميقة للجسم المعرفي و اللغة و المشاعر المكتنزة داخل النزاع و أطرافه .. لكي نستطيع بناء آلية تفكيك و توافق ( استبدال اللغة و تفكيك الجسم المعرفي ) فلا يصبح الجسم المعرفي مؤثرا على عقلية الجيل القادم حيث أنه حينما ينشأ عليها يصبح من الصعب انتزاعها و لا يصبح لدينا مصانع للأزمة تصنعها قبل سنوات من حدوثها لا تحتاج حينها إلا إلى شرارة لاندلاعها .
٢- دولة المواطنة الحقة : في الدولة الحديثة و التي تقوم على الرغبة في العيش المشترك لا على الرعوية " يصبح الكفاح من أجل دولة "المواطنة" هو الضمان الحقيقي للرغبة في العيش المشترك " و إلا يصبح العمل على خطوط الانقسام سهلا و قد يؤدي إلى تفتيت الوحدات السياسية .
 في دولة المواطنة الاختلاف يجد آلية لتقنينه و تصريفه بمعنى أنه يجد آلية للتعبير عنه و آلية للاستجابة له تحفظ العيش المشترك .( ويلز مثلا في بريطانيا تمتلك محطة تلفزيونية بلغتها الويلشية و محطة إذاعية كذلك .. تعلم لغتها كلغة ثانية .. المراسلات الرسمية ببلدهم تتم بلغتهم ، هذه الأمور و هذا الاعتراف يقوم بتصريف الخلاف ، يمتلكون هم حزبا وطنيا يطالب بالانفصال و لكن بمقابل كتلة كبيرة ترفضه ) .
٣- بناء مجتمع مدني قوي : فحينما يكون المجتمع المدني هش تصبح الدولة و الأقليات هم من يديرون المجتمع عبر الصراع بين الفعل و رد الفعل .. في حين وجود مجتمع مدني قوي تنحاز الكتلة المدنية الغالبة إلى المطالب العادلة حتى لو كانت للأقليات .. و لا يصبح حينها الصراع بين طرفين أحدهما يشعر بالظلم أو ما يشعر أنه ظلم و طرف يمتلك القوة و البطش بل يتدخل المجتمع المدني لإيجاد الحاضن المشترك للمجتمع .
الأمور الثلاث السابقة هي الضمانات الكبرى للرغبة في العيش المشترك .
و حتى حين تأسيس المحاور الثلاث السابقة المضنية و التي تحتاج إلى عمل مجهد و طويل فإننا نمتلك مسارا متفجرا للأزمة و نحتاج لآلية تعاطي معه و إيقافه ( إطفاء الحرائق ) و ذلك عبر:
١- إيجاد آلية رصد للتوترات : نتوقع فيها و نقيس درجة التوتر و الاحتقان في بيئة ما .
٢- جسم للعقلاء و الحكماء : كبديل للمجتمع المدني القوي إلى أن يتكون .. يكون هذا الجسم من الأطراف جميعها و يعمل كمصرف للخلافات و للتحكيم فيها .
٣- وضع آليات للتعامل المباشر مع الأزمة و الضغط على أطرافها في حالة حدوثها ، الضغط على "صناع" الأزمة هنا هو الأهم فغالب الناس لا يكونون كذلك بل مجرد وقود لها .. و كما يقول محمد رشيد رضا :( نتعاون فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه " و أن يلجم كل منا سفهاءه ") فهم غالبا من يفاقمون الأزمة و إذا حدث ذلك في لحظة تاريخية معينة قد يؤدي إلى انقسام حقيقي و تفتت داخل المجتمع .
١٦/٨/٢٠١٢

الأحد، 5 أغسطس 2012

الطريقة التفكيكية لإيجاد الحلول .. الثورة السورية مثالا

كان من أكثر ما يزعجني حين السؤال عن مشكلتنا في الثورة هو ذلك الجواب المكون من كلمتين و الذي يقفز لك في تعليق أو في رد على تويتر .. كان يلاحظ في هذا الجواب المختصر أمرين : 1- أن يكون الجواب باعتبار عامل واحد سلبي ، 2- أن يكون الجواب من الأفكار المسيطرة على الشخص و التي يرددها دائما ، مثلا : ستجد جواب العلوية حاضرا عند شخص يحملهم جميع ما يحدث في سوريا .. ستجد أيضا وجود العرعور كإجابة من طرف آخر .. ستجد انتقاد الإسلاميين .. انتقاد العلمانيين .. غليون .. مناع .. الإعلام ... إلى جميع تلك الإجابات ذات تلك الصفة المشتركة : السبب الواحد و تداخل إيديولوجية الشخص .
و في الواقع فإن كل مشكلة أيا كانت تحمل عوامل عديدة تؤثر عليها بنسب مختلفة .. يكون السبب الواحد خديعة كبرى و مزلق خطير للباحث عن الحلول لتلك المشكلة .. يكون  أيضا تداخل إيديولوجية الشخص و مدى إطلاعه على حقيقة الوضع تماما عوامل مؤثرة أيضا على قدرته على إيجاد الحلول ، لذلك فإستراتيجية إيجاد الحلول يجب أن تنطلق من تحليل كل جزء من المشكلة على حدة انطلاقا من مسبباتها عملا على إيجاد حلول لها انطلاقا من تلك المسببات ، يلاحظ أيضا أن إيجاد فريق يعمل على جزئية من المشكلة لحلها و يكون دائم التركيز عليها في حديثه و في عمله هو أمر صحيح و مرغوب بشرطين :1- أن يكون ذلك ضمن منظومة تكاملية تقوم بتفكيك بقية الخيوط و تجعل الحل ذو طبقات يكمل أحدها الآخر .. 2- أن يكون عمل بقية الفرق محل تقدير ذلك الفريق حتى لو تعارض مع رغباته .
الحديث السابق يمكن تطبيقه على سوريا كما يمكن تطبيقه على أي مشكلة تواجهنا .. في سوريا ليست روسيا ولا إيران ولا الطائفية ولا تركيبة الجيش ولا المعارضة ولا الإعلام ولا تداخل الملفات الدولية هي المشكلة..لا أحد منها المشكلة بل مجموعها كذلك ! ، و استراتيجية إيجاد الحلول سابقة الذكر تقوم بجمع جميع العوامل التي نظن بأنها ذات تأثير على بقاء المشكلة و من ثم يتم تحليل وجود كل جزئية و إيجاد حل لتلك الجزئية انطلاقا من أسباب وجودها .
مثال تطبيقي 1 : روسيا :
الأسباب: منفذ اخير للمياه الدافئة .. النفوذ .. ورقة تفاوض .. تشكل عالم متعدد الاقطاب .. المال الخ
الحلول: ضمان مصالح مستقبلية .. التفاوض..وجود قوة مكافئة .. إقناعهم بحتمية التغيير .. كسر عظام.. الخ.. ( الحلول تكون انطلاقا من المسببات )
مثال تطبيقي 2 : المعارضة :
الأسباب : عدم وجود حرفية سياسية .. عدم التوافق..اختلاف الإنتماءات .. وجود اختراقات .. حب الشهرة .. الإنتفاع .. الخ
الحلول : التشهير بمن يعلم سوؤه .. إبراز المخلصين إعلاميا .. المعارضة تبعنا ما لهم حل بدن زت من الشباك :)
انطلاقا من هذه الطريقة العلمية يمكن تفكيك أجزاء المشكلة لإيجاد الحلول باستراتيجية تقوم على صناعة بوابة الفرج لا انتظار أن يفتح بابه فجأة ! تقوم على الفعل الإستباقي لا رد الفعل ! و هذا هو الأهم .
تطبيق هذا الأمر يحتاج إلى جهد جماعي بعقول مفكرة و أرواح مخلصة و أجساد عاملة .. التفكير بأبراجنا العاجية سيوجد حلولا يمكن تطبيقها في مخيلاتنا فقط !
ملاحظة 1 : العمل ضمن هذه الطريقة يمكن إكماله بمدونة أخرى لتحليل كل الظواهر الأخرى على حدة .. في الحقيقة يمكن أن نضع لكل عامل تدوينة كاملة .
ملاحظة 2 : يثنيني عن القيام بمثل هذا المشروع ما اشترطته في نهاية التدوينة عن الجهد الجماعي و إيجاد الرأي المخالف الذي يستطيع أن يوازن الأمور و أرجو أن أستطيعه .

السبت، 4 أغسطس 2012

في العجز و الكسل !


يقوم كل عمل حتى ينجز على ركيزتين أساسيتين : الرغبة و القدرة .. و في غياب أحدهما يصبح العمل مستحيل الوقوع أو إن وقع صار مشوها لا يستطيع أداء المطلوب منه .. و في استعاذة النبي -عليه الصلاة و السلام- من العجز و الكسل معنى مشابه .. فأما الأول فذو رغبة بغير قدرة و أما الثاني فذو قدرة بلا رغبة .. يقف العاجز متحسرا و الغصة تملأ حلقه متألما على ما لا يستطيع القيام به .. المؤلم أكثر أن يكون ممتلكا للحلول عاجزا عن تطبيقها أو منعه غيره من تطبيقها .. بينما يقف الكسول عاجزا أيضا و لكن سوءه في ذات نفسه .. فقد رزقه الله القدرة على الفعل فحرم ذاته باختيار طريق الراحة و الدعة و الإخلاد إلى الأرض ! .. يكون العاجز حاقدا على الكسول .. حزينا أنه لا يمتلك فرصته و يكون الكسول (أحيانا فقط) حاقدا على ذات نفسه لعجزها أن تكون بروح الأول و تحرقه .. لكن فرقا هنا بين الأول و الثاني ..العاجز هو متحرك ثابت !! أشبه بقانون نيوتن بأن الأجسام دائمة الحركة ! هو شخص يحاول فعل شيء لكنه لا يقدر و لو قدمت له الفرصة لفعل و أما الثاني فلن يتحرك إلا لو تغير في ذات نفسه .

بقي السؤال : إذا ما الحل ؟ ماذا على العاجز أن يفعل و ماذا على الكسول أن يفعل ؟
على العاجز أن يبحث في أسباب عجزه .. لم هو غير قادر على فعل ما يريد .. و أن يبحث عن حل كل سبب على حدة .. على العاجز أيضا أن يكون دائما جاهزا متأهبا بحلول قابلة للتطبيق حالما تأتي إليه الفرصة لفعل ما يريد و أن لا يتحجج بعجزه فيقف عاجزا "فعلا " حينما يصبح بإمكانه تقديم شيء ما !
من المهم على العاجز أن يتجاوز ثلاثية : لا أستطيع .. ماذا أفعل .. ما الفائدة ، هذه الثلاثية مدمرة للروح العاملة و لا تجلب لصاحبها سوى الانكفاء على الذات .
على العاجز أيضا أن يتقبل أحيانا فكرة عجزه فالإنسان ضعيف في تكوينه و لا يمتلك حلول العالم بيده حتى لو أراد ذلك ! إن هذا النوع من "طمأنة الذات" ربما يكون حيلة نفسية دفاعية لكنها حيلة بشرية و نحن بشر !
من المهم لمن يقف حائلا أمام العاجز في فعل ما يريد أن يحذر منه ! قد تبدوا جملة غريبة .. لكن العاجز الذي سيستطيع تجاوز أسباب عجزه في يوم ما قد تغريه شهوة الانتقام !

ماذا على الكسول أن يفعل ؟
ربما لا يمكننا طلب شيء ما من الكسول و إلا لكان تغير فعلا :) .. التغير في هؤلاء عادة يأتي من صدمة خارجية تحدث تغييرا على ذات الشخص فيتحول إلى شخص منتج .. حتى التغيير الذي يحدث نتيجة جلسة محاسبة مع النفس يكون عادة مصحوب بتلك الصدمة الخارجية .

و لكن الفكرة المهمة فعلا : ماذا لو استطاع "العاجز" المناسب إيجاد "الكسول" المناسب له ؟ :) سيستطيع كل منهما حين إذ إنجاز عمل مشترك فيقدم أحدهما قدرته و الآخر عمله و إنجازه .. لنبحث عن "العاجز" و "الكسول" إذا :)

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

مفاهيم في الشرعية السياسية .. معناها .. إسقاطها .. و بناؤها ج١

مفاهيم في الشرعية السياسية .. معناها .. إسقاطها .. و بناؤها ج١
’’ لكي تحكم بنجاح عليك أن تفهم البشر و ما يرغبون فيه و ما يرغبون عنه في دواخلهم .. و كيما تضبط البشر من الداخل عليك أن تتخيلهم من الداخل أيضا ! ’’
يقوم النظام في سورية بلعبة توازنات و ايديولوجيات و مصالح معقدة و متشابكة و مستفيدة من ما يحدث على أرض الواقع بدقة شديدة .. هذا النوع من التعقيد يمنح النظام مصادر شرعية متعددة ليست وسيلته الوحيدة آلته الاستبدادية فقط ! ، "إن أي دعم لأي قضية يقوم على مصدر شرعية" .. حتى داعموا قضية الثورة هم يدعمونها من خلال مصادر شرعية معينة .. قد تمثل الضمير الإنساني لبعضهم أو معظمهم .. و قتال الظالمين للبعض الآخر .. و قتال العلويين أو الشيعة للبعض الآخر .. أو مصلحة متعينة أو أمل موعود، حينما تخبر شخصا على سبيل المثال ان هذه ليست ثورة لدفع الظلم و انما لايقاع ظلم شبيه على فئة أخرى فهنا سيفقد مصدر شرعيته بالنسبة لمن دعم الثورة لدفع الظلم و هكذا أيضا لو اقتنع شخص آخر أن هذه ثورة لبناء دولة علمانية على سبيل المثال لفقدت شرعيتها بالنسبة للإسلامي و لو كانت لبناء دولة إسلامية لفقدت شرعيتها بالنسبة للعلماني و هكذا ، المثال السابق بسيط في الواقع لأنه يذكر أن مصدر الشرعية واحد و ليس متعدد و متداخل كما هو فعلا حيث يستحيل تخيل نظام يقوم على مصدر واحد للشرعية ، بالعودة الى مصادر شرعية النظام "فتفكيك هذه المصادر يعني بالضرورة تفكيك القاعدة الشعبية المؤيدة المرتبطة بهذا النظام من خلال هذا المصدر" و هو لا يهدف إلى إنهاء حالة التأييد له حيث يبقى ذلك مستحيلا نظريا و تطبيقيا .. و انما خلخلته للمساعدة في إسقاطه أولا و تقليل التكلفة ثانيا و الاستعداد لمرحلة ما بعد اسقاط النظام ثالثا ، عموما فقد قامت الثورة و لله الحمد بتفكيك جزء لا بأس به من هذه المبادئ مما خلخل قاعدة النظام و زاد من قاعدتها الشعبية خلال عام و نصف من الثورة ، و لكن الكلام هنا تحليلي لطبيعة النظام بالدرجة الأولى مما قد لا يعني بالضرورة ظروف المرحلة .
ينبغي توضيح نقطة أخرى في هذا السياق حيث أن هناك ثلاث قواعد شعبية في كل ثورة : قاعدة شعبية مؤيدة للنظام .. قاعدة شعبية مؤيدة للثورة .. قاعدة شعبية تختار الحياد لأسباب شتى ، ينبغي هنا العمل على ثلاثة محاور :
١-توسيع القاعدة الشعبية المؤيدة للثورة .. ٢-تقليص القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام .. ٣-تحويل القاعدة السلبية المحايدة إلى قاعدة إيجابية ، تبدو هنا مهمة النظام أسهل حيث يسعى إلى إبقاء حالة الحياد لغير مناصريه في حين يحرص الثوار دائما على العمل عليهم لنقلهم للخانة الإيجابية .
من هنا يتضح أيضا أن القاعدة الشعبية ليست ثابتة بل متغيرة فقد ينجح أحد طرفي الصراع بتفكيك جزء من تلك القاعدة و قد يبني مصدر شرعية جديد يمنحه قاعدة جديدة مرتبطة بذلك المصدر .
الثورة أصلا تعرف بأنها تحرك شعبي واسع خارج البنية الدستورية القائمة ، او خارج الشرعية ،يتمثل هدفه في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة .. لذلك في الثورة يتم استبدال الشرعية القديمة القائمة بشرعية جديدة ، سقوط القديمة ضروري إذن في هذا التعريف بل ربما يبدو أقرب ما يكون للشرط . و محاكمة الثورة ضمن شرعية النظام القديم الذي قامت عليه الثورة بالأساس يبدو شيئا أقرب للامعقول .
الشرعية هنا سياسية و هي بحسب تعبير ماكس فيبر: ( قدرة السلطة السياسية على اكتساب الاعتراف بها و على النظر إليها بوصفها المعبرة عن المصالح الفورية و المباشرة أو البعيدة للجماعة ) .. إسقاط هذا الاعتراف و هذه النظرة يعني تلقائيا اسقاط الشرعية و يعني بالضرورة اسقاط النظام و اسقاط أحقية الدولة و المذكور في تعريف فيبر الشهير الآخر في كونها الوحيدة المخولة لاستخدام العنف .
يقول أمين معلوف : " الشرعية هي ما يتيح للشعوب و للأفراد أن يقبلوا دون مبالغة في الإكراه سلطة مؤسسة ما يجسدها أشخاص و تعتبر حاملة لقيم مشتركة .. بعض الشرعيات أكثر استقرارا من غيرها لكن ليس بينها واحدة غير قابلة للتبدل ، و يمكن لصاحبها أن يستزيد منها أو يخسر تبعا لحنكته أو للظروف ،،، بالاضافة الى ان بقاء الشرعية مرهون بنجاحاتها .. حينما تصبح شرعية ما إلى وقت لا تعود فيه قادرة على الفعل حينذاك يحل حكم محل آخر و تحل شرعية جديدة محل تلك التي أفل نجمها "
نعود لموضوعنا : بالمقارنة مثلا مع الجار العراقي صدام فإن الأخير لم يكن يتبع استراتيجية التوازن كما كان يفعل عدوه اللدود حافظ الأسد .. كان صدام يعتمد على المال الوفير الذي توفره عائدات النفط مدعوما بقوة تعسفية عند اللزوم بينما كان حافظ يسير أمور نظامه بتكتيكات غاية في الخبث و تنازلات متناوبة بشعار معروف بسياسته "أذعن قدر اللزوم ، و أصر قدر الإمكان" ! و يمكن تلخيص مصادر الشرعية للنظام السوري على النحو التالي : ...
على هذا الأساس التنظيري المبسط للشرعية سننهي الجزء الأول .. الجزء الثاني سيتحدث عن مصادر شرعية النظام في سوريا و عن وسائل تفكيك هذه الشرعية بشكل أكثر توسعا .. الجزء الثالث سيتحدث عن بناء الشرعية الجديدة في سوريا المستقبل و هو ربما ما سيكون الجزء الأكثر صعوبة ! كتابة و تطبيقا !.
١/٨/٢٠١٢